فصل المقال ما بين البربرية والأمازيغية...؟!
من إنجاز الأستاذ الحسين أعزاب
نلاحظ اليوم ،في الخطاب المغربي، الذي يتناول ثقافة الأمازيغ ،سيادة مصطلح "الأمازيغية" على حسا ب مصطلح قديم كان بالأمس القريب ، أكثر تداولا في النصوص والوثائق، هو مصطلح "البربرية" .ويبقى السؤال مطروحا : اا:أبربرية نريد أم أمازيغية .وإذا كان لهذا السؤال ،مايسوغه ،فما الفرق بين المصطلحين ؟ يبدو أن الجميع استطاب شيوع مصطلح الأمازيغية ، ودأب على استخدامه في القول والخطاب دونما قلق أو تساؤل يخص استقصاء الأسباب الكامنة خلف هذا الأمر تاريخيا وفي جميع الكتابات السياسية والأدبية ،كانت تسمية "البربر" والمصدرالميمي "البربرية "هو السائد في التداول والاستعمال .وإلى حدود الأعوام الأخيرة ،من القرن الماضي ، لم نكن نستخدم كلمة "الأمازيغية" إلا لماما، ولم نتجاوز استعمالها نطاق المشافهة الذي كانت فيه هذه اللفظة ،توحي بشجن الحنين إلى زمن ثقافي قديم .فما الذي يسوغ اليوم هذا العبور المفاجئ من البربرية إلى الأمازيغية؟وما الذي يشرع هذه النقلة الطارئة من المصطلح الأول إلى الثاني ؟هل يمكن الاطمئنان إلى أن الأمرمجرد تفضيل مصطلحي بريء لمفهوم على آخر ، قائمين على أساس ترادفي ؟ ولنفرض أن الأمر كذلك ، فلماذا هذا الإقصاء للفظة تراثية تاريخية لاعتماد لفظة أخرى حديثة أو مستحدثة؟ وبماذا نفسر هذا النكران القاسي لمصطلح طالما تحصنا فيه في الماضي وعرف طريقه إلى كل الأقلام والألسنة ؟
لاشك أن المسألة شائكة تتخطى حدود إيثارمصطلح على آخر،و استبدال كلمة بأخرى أخف منها . إن المسألة ذات ارتباط وثيق بالأبعاد الإبستيمية والسيكوثقافية و السياسية،نحتاج في نفض الغبار عنها إلى دراسات سسيوثقافية وإثنية دقيقة تعتمد منهجا استقرائيا يرصد الأجزاء والنماذج المشتتة في الجهات الأمازيغفونية الثلاث (الريف ـالأطلس .سوس ) للإحاطة بالموضوع و الانتهاء فيه إلى حكم شامل قابل للتجريب و الاختبار.
قد يكون من افتراضات هذا التحول المصطلحي من البربرية إلى الأمازيغية ما علق بالكلمة الأولى من معاني عنصرية قبيحة ،بفعل التعسف الجائر للأنظمة الغازية لبلادنا من الرومان إلى اليوم ، وكذلك بفعل الاستخفاف والتحقير العربي في الخطاب السياسي والثقافي للكلمة المذكورة ،بجعلها لصيقة بمعان مشينة...كالمنسي والمتوحش والأرعن وغير المتمدن...،للنيل بكيفية واعية أو غير واعية من كينونة هذا القوم وثقافتة. ولتجاوز مخلفات هذه البيداغوجيا العنصرية التعسفية ،تم العدول عن البربرية لتأسيس عهد جديد ،وثقافة جديدة ،عن طريق امتطاء سفينة الأمازيغية للإبحار في الأعالي،بعيدا عن السفوح الملطخة بدماء اغتيال التاريخ .
وقد يكون من افتراضات الانتقال أيضا ،تخطي ثقافة تاريخ البربر الموحدة ،إلى ثقافة الأمازيغ المفككة ،خاصة وأنها جاءت مواكبة للتحولات الكبرى،التي شهدها العالم اليوم ،على أكثر من صعيد،خاصة على المستوى السياسي العالمي الأحادي القطب،بسيادة النموذج الأمريكي المتصهين المرتهن إلى إحداث شروخ وتصدعات في الكيانات القومية الموحدة .
في ظل هذا المناخ العالمي المشحون بدلالات الاحتقان والإقصاء بين العالمين:الغربي والعربي المتفاوتين في العدة المنهجية ،وجدت الثقافات المغيبة في زمن المنظومات الفكرية العربية الكبرى السابقة ،التي كانت تقوم على إيديولوجيا الوحدة العربية والإسلامية ،الممانعة لسياسة النظام العالمي الجديد.وجدت طريقها إلى البروز وفرض الوجود ،عن طريق الاحتماء بالذات وأسئلتها المصيرية...
هكذا نشاهد اليوم محاولات أمازيغية عبر تنظيمات رسمية وشعبية ،جادة في اتجاه العودة إلىشجرة الأصل،للفيء بظلالها الوارفة،لكن نخشى أن يساء إلى هذا الأصل البار الذي رفض و يرفض مصالحة أعداء الشعوب..