أخانا الكريم حيثما كنت أزجي إليك التحية الطيبة بالقول المأثور:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد فإني سائل الله لنا ولك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، وأتساءل معك: هل وجدت حلاوة العبادة في رمضان، فشعرت أنك بحاجة إلى رحمة الله، فذهبت إلى ركن هادئ في بيتك، وغلقت الأبواب بينك وبين الناس، ورفعت يديك إلى الله تسأله أن يكشف لك عن بصيرتك لتفتح صحيفة أعمالك بيدك، وتغسل مواقفك الآثمة بالدموع، وتسأله الرحمة والمغفرة والعتق من النار معاً؟!! هل فتحت القرآن يوماً فوجدت نفسك تعيش مع الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم هدى قبل أن تطردهم الجاهلية (السفه والطيش) فلا يجدون ملاذاً إلا في الكهف؟ هل شعرت بقسوة المجتمع وهو يطردهم، ويقهرهم بآذاه؟ هل وجدت نفسك خائفاً تترقب يقظة الظلمة عليك، وأنت تريد النجاة بعقيدتك وبدنك؟ هل بكيت عليت عليهم والشمس تقلبهم ذات الشمال وذات اليمين؟ هل استشعرت معاني الضعف فيهم، وقد نام كلبهم بالوصيد بباب الكهف المفتوح؟ هل تمثلت ساعة من النهار أنك في موضع آبائهم أو إخوانهم أو أخواتهم أو أمهاتهم أو أصدقائهم، وما ما حملته صدروهم من القلق والحزن والأسى لضياعهم في ذلك الزمن الأول؟ هل مات الشعور بالحياة في قرآننا؟ وهل من سبيل إلى إحياء معاني القرآن فيها؟ هل وجدت مرارة الشعور بالخيبة في قصة موسى والرجل الصالح(آتنا غداءنا) جوع وتعب وطلب للزاد والراحة، ونسيان للحوت عند الماء؟ وهل رأيت بعين قلبك مرارة الفجيعة من النسيان عند رجلين بفترض بهما النباهة إلى طعامهما..هل عدت معهما، وهما يبخثان، ويتتبعان آثار أقدامهما في العودة إلى الخلف؟ وهل وجدت ضعف الإنسان في النسيان، ورحمة الله به كامنة في هذا النسيان؟ وهل غفلت عن الحوت، وكان في صرتهما ميتاً كيف عاد حياً بقدرة الله..إنها لحظات السعادة في عالم التأمل، وأنت جائع..هل أسندت ظهرك إلى سارية ما في المسجد، وأنت تطلب من الله أن يرحمك فيفتح بصرك على ماضيك، فيعود إليك الماضي مشهداً مشهداً، فتتأمله، فإن وجدت خيراً فتلك بوابة الرحمة، وإن وجدت خلاف ذلك فاستغفر وتب واقرن طلب المغفرة باسم الغفار وطلب التوبة باسم التواب والرحمة من الرحمن الرحيم، هل فعلت ذلك يوماً؟ هل وجدت دموعك تسيل على خديك؟ هل سمعت تنهدات الطفل الباكي في صدرك؟ هل كبرت في عينك صغائر أعمالك التي أسماها الشيطان لمماً ليدلس عليك شعوراً بالمغفرة، وأنها لا تدخل الحساب تسهيلاً لزلة القدم؟ هل جاهدت الشيطان وهو يحاول أن يزحزح قدميك عن الحق؟ هل قمت مرة من مجلس محاسبة النفس، وأنت تشعر أن الله قد غفر لك؟ هنيئاً لك التوبة، وبورك لك الدمع فعساه غسل حوبتك، وعساه في سبيل الله نزل، وعساه لحب الله هطل؟ وهل شعرت بلذة الدعاء بعد ذلك الانتهاء؟ وهل دعوت لإخوانك في الإنسانية أن يهتدوا إلى جبال الرحمة كما اهتديت؟ أتحب لهم ما أحببته لنفسك من نسمات الإيمان؟